تطبيقات معاصرة في مصارف الزكاة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، وحبيب رب العالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
بداية أقول: إن الإسلام لم يفرض الزكاة على أتباعه عبثاً، وإنما كان ذلك للأهمية البالغة، في حيوية الاقتصاد ونشاطاته، وتكافل المجتمع وتضامنه.
وليس المهم أنْ تجمع المال وتجبيه فقط، فالأهم في موضوع الزكاة أن تعرف كيف تصرف أموال الزكاة، وتضعها في مكانها الصحيح، وموضعها المناسب.
ومن المؤسف أن التطبيق العملي للزكاة أصبح نادراً، إن يكن أقل من النادر؛ نظراً لإهمال الناس لها، وتقصيرهم في تنفيذها، وغياب الجهة المسؤولة عن المتابعة.
فلو أن الدولة تابعت أمر الزكاة، وصبت اهتمامها في الجمع والتوزيع المطلوب شرعاً لاستطاعت تحقيق جانب مهم من جوانب الإصلاح الاجتماعي، وإقامة ركن من أركان العدل الاجتماعي.
وإذا كانت الدولة لم تفعل ذلك، فيمكن إنشاء مؤسسات مالية مختصة بإدارة أموال الزكاة، أو توجيه العناية للمصارف الإسلامية للقيام بهذا الدور ضمن قواعد سليمة، وأركان دقيقة لتحقيق الجباية العادلة، والتوزيع الصحيح.
هذا، وإنَّه لحكمة ربانية، وفائدة اقتصادية، وتنافس اجتماعي، جعل الله عزَّ وجلَّ الناس متفاوتين في الأرزاق والقدرات، قال الله تعالى : }وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ{([1]).
وهذا واقع حياتي لا يُنْكَر، حاول الإنسان منذ نشأته إيجاد حلول له، من خلال الأفكار العقلانية، والوصايا الحكمانية، والدعوات الفلسفية، غير أن التشريع السماوي، والدين الإلهي، هو الذي أرسى القواعد، ووضع الأسس السليمة؛ للتقارب والتعايش، والتحابب والتعاون، وتُوِّجَ ذلك في شريعة الإسلام الخالدة الخاتِمة التي أُرسل بها رسول الله محمد بن عبد الله r.
وإذا كانت الدول تَفرِض على مواطنيها ضرائب لتغطية نفقات الدولة وتحقيق التنمية المنشودة، فإنَّ الإسلام قد سبق ذلك بكثير، سواء في الشمولية أو في الإلزام أو في التوزيع؛ فمن حيث الشمولية فرض الله عزَّ وجلَّ على كل مسلم يملك مالاً نامياً بالقوة([2]) أو بالفعل([3]) أن يدفع الزكاة، وهذه شمولية نسبية في الأفراد، كما أن هناك شمولية عامة في جميع الأموال المكتسبة، قال الله تعالى : }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ{([4])، ومن حيث الإلزام كانت الزكاة ركناً من أركان الإسلام؛ لا يقوم إسلام المرء إلا بها بشر وطها.
وسيكون مدار حديثنا في الندوة عن توزيع الزكاة على مستحقيها، ولن يكون الكلام عن تفصيلات الفقهاء للأصناف الثمانية التي ذكرها القرآن الكريم، وهي قوله تعالى:} إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ { ([5])،بقدر ما هي تأملات في هذه المصارف الزكوية وتطبيقاتها المعاصرة.
1-2- الفقراء والمساكين، وهم أصحاب الحاجات في الحياة، ممن لا دخل لهم أصلاً، أو ممن لا يكفيهم دخلهم، وعدم الكفاية يجب أنْ يكون مرتبطاً بعدم الإسراف والتبذير.
به قليلاً.
ففي الحديث، يقول رسول الله r :"لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ"([6]).
وعن عروة بن الزبير قَالَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَنَّ رَجُلَيْنِ حَدَّثَاهُ أَنَّهُمَا أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ r يَسْأَلَانِهِ مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَلَّبَ فِيهِمَا الْبَصَرَ، فَرَآهُمَا جَلْدَيْنِ([7]) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r إِنْ شِئْتُمَا وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ"([8]).